هاتشاق عربي- د. هالا مقبل
تؤدي اللغة دورا مهما في حياة الأمم ، وتسهم في نشر المعرفة والعلوم المختلفة ، وهي وسيلة التعبير عن الحاجات والأفكار ، ووعاء للفكر . وتشكل اللغة ميزانا حساسا لمستوى الفكر والثقافة لدى مستعمليها ، وللغة دور كبير في إظهار مدى انتماء الشعوب إلى هويتهم ، وتعكس اعتزاز الأمم بتراثهم وفكرهم وتاريخهم ، ولا يقوم للأمم شأن دون رفعة لغتهم واعتزازهم بها .
وللغة دور مهم في توجيه الرأي العام نحو القضايا التي تهم الشعوب ؛ وهي أقدر على تصوير قضاياهم وتصوير معاناتهم ، فهي كما قلنا سابقا وسيلة التعبير عن الحاجات والرغبات والقضايا الخاصة بكل قوم وكل أمة .
وتعد وسائل الإعلام بأنواعه المقروء والمسموع والمرئي من أبرز أدوات نشر اللغة والثقافة وتعبئة الرأي العام بالأفكار والمعلومات ، ويضطلع الإعلام بأهمية كبيرة في نشر الثقافة في ظل توسع وسائلة وسرعة أدواته وتعددها من صحف ورقية وإلكترونية ومواقع تواصل اجتماعي وتلفاز وإذاعة وإعلانات دعائية ولافتات وغيرها .
والسؤال المطروح في ظل هذا الزخم الإعلامي فيما يتعلق بالشعوب العربية هو : ما واقع اللغة العربية في الإعلام ؟؟ وهل نجد للغة العربية حضورا يتناسب مع المكانة التي ينبغي أن تحتلها ؟
إذا نظرنا إلى برامج التلفاز نجد أن الغالبية العظمى ـ باستثناء نشرات الأخبار ـ تقدم باللهجات المحلية العامية بعيدا عن اللغة العربية السليمة مما ينذر بوجود فجوة كبيرة بين الشعوب ولغتها ، إضافة إلى أن بعض اللهجات المحلية تعد غريبة في بعض البلدان العربية ولا تعد مفهومة في الأقطار العربية الأخرى خاصة في بلاد المغرب العربي ، في حين كان من المؤمل أن تقوم العربية بدورها في توحيد الأمة .
وفي نظرة سريعة على واقع الإعلانات الدعائية نجد أغلبها تقدم باللهجات المحلية مما يجعل المتلقي العربي بعيدا كل البعد عن العربية الأصيلة ، وإن كان هناك بعض القنوات تقدم برامجها ( مشكورة ) بالعربية الفصحى إلا أننا إذا دققنا النظر والسمع نجدها لا تخلو من الأخطاء اللغوية والنحوية مما يجعل العربية السليمة تعيش في غربة بعيدا عن الاستعمال ، وبهذا تتسع الفجوة بين الشعوب العربية ولغتهم مما يسهم في الانسلاخ عن الهوية .
أما فيما يتعلق بالإعلانات المنتشرة في الشوارع واللافتات الدعائية فحدث ولا حرج عن اغتراب اللغة العربية السليمة ، وإني أكاد أجزم أنه لا يخلو إعلان من وجود أخطاء لغوية أو نحوية أو كتابية مما يوحي بغياب الحس اللغوي السليم .
ومما يعكس بعد الشعوب العربية عن لغتهم وإعراضهم عنها هو أسماء الشركات والمحلات التجارية والمواقع الإلكترونية التي يغلب عليها الأسماء الأجنبية بحجة أن اللغات الأجنبية أسرع رواجا وأكثر ثباتا في نفوس الناس ، وهذه حجة ضعيفة إذ إن الثابت أن رواج اللغة مرهون باستعمالها وتداولها ، وليس أقدر من العربية على تلبية حاجات مستعمليها فهي تفوق معظم اللغات في الاتساع وسهولة الاشتقاق والدقة في التعبير ، وهذا ثابت علميا من خلال دراسات وبحوث أكدها كبار علماء اللغة في العالم .