منوعات

صدق أو لا تصدق..فوائد مذهلة للقلق

هاشتاق عربي

شارك هذا الموضوع:

أخبرني مراسل مخضرم ذات مرة، إذا سئلت يوما كمتدربة السؤال التقليدي في مقابلة عمل: “برأيك ما الذي يجعل الصحافي جيدا؟”، فلن يكون هناك سوى إجابة واحدة صحيحة: الرهاب.

أعترف بأنني كنت في حيرة إلى حد ما في ذلك الوقت، لكن بعد عشرة أعوام، فهمت المقصد. لم يتم تشجيعي على أن أتخيل أن الجميع سينالون مني. بدلا من ذلك، تم تذكيري بمسؤولية الصحافي عن نشر معلومات دقيقة وعادلة. لقد كان ذلك تحذيرا من الرضا عن النفس. وهو تنبيه، إذا شئت، للتمسك بقليل من القلق من النوع الجيد والتقليدي.

لم يكن المراسل المخضرم بحاجة إلى القلق كثيرا بشأني: فأنا على دراية كافية بجاذبية القلق الذي يتسبب في تسارع النبض وضيق النفس، والذي يمتد إلى عملي. لكنه كان أيضا يريد الوصول إلى فكرة تشير إليها مجموعة متزايدة من الأبحاث: القلق ليس شيئا يمكننا أو حتى يجب أن نحاول دائما القضاء عليه تماما، وأننا في الواقع بحاجة إلى القليل منه للقيام بأداء جيد، حتى إنه يساعدنا على عيش حياة سعيدة ومرضية.

بالطبع، ينبغي القول إنه بعد مرحلة معينة يمكن أن يصبح القلق أمرا مرهقا، وأن هناك حاجة إلى التدخل الطبي للتعامل مع اضطرابات القلق الخطيرة، لكن يبدو أننا نعيش في مجتمع يشعر بالقلق بشكل متزايد بشأن وجود القلق بحد ذاته.

كان هذا هو موضوع أسبوع التوعية بالصحة العقلية الأسبوع الماضي، الذي تديره مؤسسة الصحة العقلية في المملكة المتحدة. ففي صفحة المؤسسة حول “إحصاءات القلق”، قيل لنا إن 37 في المائة من النساء و30 في المائة من الرجال في بريطانيا العظمى أبلغوا في 2022/ 2023 عن مستويات عالية من القلق، مقارنة بـ22 في المائة و18 في المائة، على التوالي، في الفترة من عام 2012 إلى 2015 – ويعزى الارتفاع غالبا إلى زيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن المخاوف بشأن التهديدات الخارجية من تغير المناخ، والذكاء الاصطناعي، والجوائح. وكان هناك تحذير مكتوب فوق هذه الإحصائيات: “هذا المحتوى يشير إلى القلق الذي قد يجد بعض الأشخاص أنه يؤثر بهم”.

لكن ماذا لو كان جزءا من المشكلة هو أننا نفكر في القلق بطريقة خاطئة؟ في آذار (مارس) ذكرت دراسة نشرت في مجلة إموشن، وهي مجلة محكمة، أن الحكم على المشاعر على أنها إيجابية أو سلبية قد يكون له تداعيات حاسمة على رفاهيتنا.

تريسي دينيس تيواري، أخصائية علم النفس الإكلينيكي ومؤلفة كتاب “زمن المستقبل: لماذا يعد القلق مفيدا لك (بالرغم من أنه يجعلك تشعر بالسوء)، تقول: “القلق التلوي – وهو القلق بشأن القلق – هو بالضبط الشيء الذي يدمرنا. لهذا السبب نواجه أزمة الصحة العقلية هذه الآن. فنحن نتحدث عنها بطريقة غير صحيحة”.

بدلا من محاولة تجنب القلق، تنصح دينيس تيواري بمواجهته لبناء المهارات والمرونة العاطفية، التي تساعدنا على التعامل معه. علاوة على ذلك، من خلال تأطيره بشكل سلبي، فإننا نفوت فرصة تسخير الميزات الأكثر إيجابية التي يمكن أن يجلبها: وهي اليقظة، والتركيز، والتحفيز، وتدفق الطاقة التي يمكن أن تساعدنا على الأداء في أفضل حالاتنا.

إذا لم نقم دائما بتأطيره على أنه سلبي، فيمكننا تجربة ما يسميه بعض علماء الأعصاب “القلق الجيد”. مورا آرونز ميلي، مؤلفة كتاب “حول أكبر مخاوفك إلى قوتك العظمى في القيادة”، تقول: “القلق الجيد هو حالة ظرفية محدودة الوقت ومحفزة للغاية. إنه القلق الذي نحتاج إليه للقيام بأشياء عظيمة، وغالبا ما يكون القلق الذي نشعر به عائدا إلى حقيقة أننا نبدي اهتماما، ولأننا نستثمر عاطفيا في النتيجة، لأننا نريد أن نكون ممتازين. ولأننا خائفون للغاية، فإننا نمضي قدما”.

قد تعتقد أن كل هذا جيد للغاية، لكن نظرا لمدى القلق الفظيع الذي يمكن أن نشعر به، كيف يمكننا الاستفادة من النوع “الجيد” عندما نكون في قبضته المرعبة؟ إحدى الطرق تتمثل في الاستجابة بطريقة فسيولوجية. مثلا، ممارسة تمارين التنفس التي تتيح لنا معرفة أننا بأمان عن طريق تحفيز الجهاز العصبي السمبتاوي، أو ممارسة نشاط بدني يطلق الإندورفين والسيروتونين اللذين يمنحاننا الشعور بالسعادة.

لكن هناك أسلوب آخر أطلقت عالمة النفس في كلية هارفارد للأعمال، أليسون وود بروكس، “إعادة تقييم القلق”. فعندما نشعر بالقلق تكون أجسامنا وأدمغتنا في حالة من اليقظة المتزايدة التي تشبه الإثارة – وأحيانا يتعذر تمييزها عنها. حينها يتسارع معدل ضربات القلب لدينا، ويرتفع الأدرينالين، ونهيئ أنفسنا للعمل. تشير أبحاث بروكس إلى أن إعادة صياغة القلق بتعديلات بسيطة – مثل قول “أشعر بالإثارة” بدلا من “أشعر بالقلق” – يمكن أن تكون فعالة بشكل مدهش.

بالطبع، عندما يصل القلق إلى نقطة تصعب فيها ممارسة الحياة اليومية، فمن غير المرجح أن تكون هذه الأساليب كافية. لكن إذا عشنا تجربة القلق على مستوى أكثر اعتدالا، فيجب أن نحاول رؤيته على حقيقته: أنه شعور إنساني طبيعي، بل وصحي اعتمد عليه بقاؤنا كنوع. إذا لم تشعر بالقلق أبدا، فمن المحتمل أنك لست على قيد الحياة.

صحيفة الاقتصادية السعودية

صحيفة عربية سعودية متخصصة باخبار الاقتصاد العالمي و الخليجي و السعودي و كل ما يخص أسواق الأسهم و الطاقة و العقارات

مقالات ذات صلة

أترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى