خاصمقالات

انترنت الأشياء: الموجة القادمة في عالم التكنولوجيا

هاشتاق عربي * علاء البزور
برز مصطلح انترنت الاشياء (Internet of Things – IoT) حديثا ولعل كثيرين ما زالوا يجهلون اهميه هذه التكنولوجيا القادمة الينا بقوة والجوانب التي ستمس حياتنا من خلالها، و للتعريف بها لا بد من التطرق الى تاريخ الانترنت والتطور الذي شهدته على مدى الثلاثين عاما الماضية والتي قد تكون اسرع واضخم انتاج للتكنولوجيا والبيانات في تاريخ البشرية.
شهد العالم في ثمانينات و تسعينات القرن الماضي ثورة حاسوبية ، وتصاعدت تلك الثورة لتبلغ اوجها في خلال 15 عاما حيث انتشرت الحواسيب في كافة المكاتب والمنازل، ومع تطور المعالجات و الشاشات إنتقل العالم إلى عصر الهواتف الخليوية او الجوال Mobility والتي شكل ظهور الآي فون في مطلع 2007 ذروتها منتقلا بها الى حقبة جديدة من التكنولوجيا والتطور الحاسوبي وتم تسميتها بsecond Technology Platform ومنذ ذلك الحين حتى اللحظة و نحن نحمل في جيوبنا ما يستطيع القيام بمهام تفوق تلك التي يقوم بها حاسب مكتبي ضخم كان يقبع في مكاتبنا قبل 10 سنوات.
وفي الوقت الذي يتوقع في العالم ان تسود الاجهزة المحمولة والتكنولوجيا الذكية الاسواق لسنوات عديدة قادمة الا انه من المنتظر ان تضح معالم انترنت الاشياء Internet Of Things التي يبدو انها ستغرق العالم بتكنولوجيا قد تغير معالمه.
وبالرغم من عدم وجود جهة متخصصة يمكنها منح العالم تعريفا واضحا ل “انترنت الاشياء” الا اننا نستطيع ان نجد الكثير من التعريفات التي تجتاح العالم الافتراضي ومنها ان “أنترنت الاشياء هو الجيل الجديد من الإنترنت الذي يتيح التفاهم بين الأجهزة المترابطة مع بعضها عبر بروتوكول الإنترنت، وتشمل هذه الأجهزة والأدوات والمستشعرات والحساسات وأدوات الذكاء الاصطناعي المختلفة وغيرها”.
فيما استطيع اختصار التعريف بأنه “أتمتة كل الاشياء و توصيلها بالانترنت لتقوم بوظيفة محددة”.

والتساؤل المهم الذي سيراود القارئ: ما المقصود ب “الاشياء”؟
و هنا الجواب قد يشمل كل شيء تتخيله يمكن تعريفه على الإنترنت من خلال إلصاق عنوان انترنت (IP) مثل السيارة، والتلفاز والملابس، الأثاث، و الحيوانات والأدوات المنزلية المختلفة كالثلاجة والغسالة وأجهزة الإنذار ومداخل العمارات وأجهزة التكييف، و السلع والمنتجات المختلفة .. ببساطة انه كل شيء .
و ستصبح انت و انا ” شيء ” في هذا العالم بمجرد لبسك لسوار يحمل IP او في حال تم تعريف ذلك لاي عضو من جسمك.. جميعنا سنصبح جزءا من عالم الانترنت.

السؤال المطروح الان: ما ذا اريد من هذه التكنولوجيا ؟؟ وما هي الفائدة منه؟
يمكنني وضع الاجابة بين ايديكم عبر طريقتين: الاولى نظريا، تُمكِّن إنترنت الأشياء الإنسان من التحكّم بشكل فعاّل وسهل بالأشياء عن قرب وعن بُعد.

اما الاخرى فعمليا، وذلك عبر المثال التالي، انت ما زلت في المكتب و الدوام شارف على الانتهاء .. تستطيع ً إدارة محرّك سيارتك والتحكم فيه من خلال تطبيق على جوالك او حاسوبك، وفي طريق عودتك ستقوم اجهزة التكييف المتصلة باحد تطبيقات التعرف الى الطقس باختيار درجة الحرارة المناسبة صيفا او شتاء ، ولكسب الوقت تقوم بتشغل الغسالة القابعة في منزلك لتنفيذ مهمة غسل وتنشيف ملابسك قبل وصولك، وفي الوقت ذاته باستطاعتك التعرف على محتويات ثلاجتك التي ستقوم بدورها بطلب كافة النواقص عبر الاتصال باحد المولات الالكترونية.
هنا تبدأ الاشياء بالاتصال مع بعضها البعض وبتنفيذ العديد من المهام دون اي تدخل بشري، ومما لا شك فيه انه لا داعي ان تزور سيارتك الورش الفنية لانه سيكون بامكان وكيلها اكتشاف اي مشاكل والتوصل الى الاجراء المطلوب لمعالجتها دون تكلف عناء الانتظار والتنقل.

الموضوع طويل جدا وتستطيع اطلاق العنان لافكارك وبامكانك ان تتخيل كافة السيناريوهات التي قد تجعل التكنولوجيا هي العنوان الابرز لتفاصيل حياتك التي ستشكلها اشياؤك الخاصة!!

وبحسب كل من business Insider وGartner فإن المدن الذكية سوف تستخدم 1.6 بليون من الاشياء المتصلة عبر الانترنت في العام الحالي وبزيادة تقارب 40% عن العام المنصرم 2015.

فيما يستعرض الموقعان بعض المؤشرات على مدى اهمية هذه التكنولوجيا، اهمها ان حجم سوق انترنت الاشياء سيكون بحلول العام 2020 أكبر من سوق الهواتف المحمولة و أجهزة الحاسب و الأجهزة اللوحية مجتمعين بمقدار الضعفين! حيث تتوقع عدة شركات ان تتراواح اعداد أجهزة إنترنت الأشياء المتصلة بالانترنت من 20 الى 50 بليون جهاز.

كما يتوقع أن تصل إيرادات سوق إنترنت الأشياء في ذات العام إلى أكثر من 1.7 ترليون دولار بالمقارنة مع 600 بليون دولار في عام 2014 و ذلك حسب موقع IDC .

ومما لا شك فيه ان الاستثمار في انترنت الاشياء قبل عدة سنوات كان يصنف على انه استثمار غير واقعي تتجنبه العديد من الشركات، الا ان الحال تغير الان وبات محتما على الشركة التي تسعى الى ضمان موطئ قدم في المستقبل القريب ان تستثمر الكثير في جانب البحث و التطوير في هذه التكنولوجيا.
فيما شركات عملاقة مثل جوجل و انتل و سيسكو و مايكروسوفت جميعها تعي ذلك، بدليل قيام كل منها باطلاق منتج او اكثر يعد مثالا حيا على هذه التكنولوجيا كنظارة جوجل Google Glass و كذلك نظارة مايكروسوفت Hololens .
ومن الاسباب الرئيسية التي قد تساعد على تنامي العمل والتسارع في اتجاه تطبيق و نشر هذه التكنولوجيا، الكلفة القليلة للاجهزة الخاصة بربط الاشياء من خلال الانترنت او “Hardware” و كذلك كثرة التطبيقات و توفرها باسعار زهيدة للجميع من خلال تطبيقات الجوال المنتشرة في مختلف انظمة التشغيل.

فيما سيكون العائق الابرز امام انترنت الاشياء وجود جهة تنظيمية تتبنى وضع التنظيمات و الاطر الخاصة بهذه التكنولوجيا التي من المتوقع ان يكون لها انعكاسات كبيرة على حياتنا ، لا سيما ان الكثير من الانشطة التي اعتدنا على عملها بأنفسنا ستصبح جزءا من مهام موكلة لالات واشياء من حولنا دون حاجة الى اشراف او متابعة منا !! وهو من وجهة نظري ما قد لا يكون من السهولة بمكان قبوله لدى كثير من الناس.

ومن اهم التحديات التي قد تواجهها تكنولوجيا انترنت الاشياء الانتقال إلى بروتوكول الإنترنت (IPv6) الذي سيسمح بمضاعفة عدد عناوين الإنترنت التي يمكن تخصيصها للأشياء، حيث ان البروتوكول (IPv4) الحالي يوفّر عدداً محدوداً من العناوين التي لا تكفي في الوقت الحاضر للحواسيب و الاجهزة الموجودة و لا تخدم التنامي المطرد في هذا المجال .

ومما لا شك فيه و اشارة الى المقالات السابقة حول المجتمع المعرفي و البيانات الضخمة و كذلك الحوسبة السحابية فان انترنت الاشياء مقياس لتطور الامم ويعد الاهتمام به من مقومات التقدم و الرفاهية التي تسعى الدول لتوفيرها لمواطنيها كما انه احد أعمدة المجتمع المعرفي الذي تسعى لتكونه.
مازلنا في بداية طريق طويل باتجاه تحقيق هذه الاهداف، وبالرغم من ان كل ما سبق قد يكون بالنسبة للبعض ضربا من الخيال او حتى من الجنون الا ان مجتمعات كثيرة بدأت سعيها المحموم لبلوغ المستقبل عبر هذه التكنولوجيا ،وعلينا بكل تاكيد اللحاق بهذا الركب، الذي ان كنا نعيش في العالم الثالث حاليا ، فإن عدم اللحاق به سيجعلنا نعيش حتى في كوكب اخر قريبا !!

* مدير مكتب المشاريع في شركة ” ماتكو” لتقنية المعلومات – السعودية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى