هاشتاق عربي – مارسيلو استيفاو*
أثّرت الصدمات الناشئة عن الحرب في أوكرانيا على العديد من البلدان التي كانت لا تزال تعاني من جائحة كورونا. وفيما يتعلق بالعديد من البلدان النامية، تصاعدت منذ ذلك الحين التحديات التي تواجه المالية العامة والتي نجمت عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأسمدة والطاقة، وارتفاع أسعار الفائدة، وتباطؤ النمو.
وفي مواجهة الأزمات المتداخلة، زادت جميع البلدان تقريبا إجمالي إنفاقها الحكومي والصحي. لكن عددا قليلا منها – ومعظمها من البلدان مرتفعة الدخل – سيكون قادرا على الحفاظ على هذه المستويات في السنوات القادمة. وسيكون من الأهمية بمكان تحسين تعبئة الموارد المحلية، لا سيما على نحوٍ يمكن أن يوسع القاعدة الضريبية على نحو مستدام.
. فضرائب الصحة العامة هي ضرائب الإنتاج المطبقة على منتجات مثل التبغ والكحول والمشروبات المحلاة بالسكر التي تتسبب في مشاكل صحية وفي إلحاق الضرر بالأفراد والمجتمع ككل. وتشكل هذه الضرائب إحدى أكثر الطرق فعالية من حيث التكلفة للحد من استهلاك المنتجات غير الصحية وإنقاذ الأرواح مع زيادة الإيرادات الحكومية التي تشتد الحاجة إليها.
إذ نواتج رأس المال البشري والإنتاجية الاقتصادية. و .
. وفي البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، تكون للمستويات المرتفعة والمتزايدة لاستهلاك هذه المنتجات آثار وخيمة علىإن نجاح ضرائب الصحة العامة يتوقف على عدة أمور منها كيفية تصميمها وتطبيقها – وكذلك على البيئة التي تتطور فيها. فضرائب الصحة العامة، في نهاية الأمر، هي جزء من النظام الضريبي الأكبر في أي بلد. ولهذا السبب، يمكن أن تلعب البيئة السليمة للاقتصاد الكلي والمالية العامة دورا كبيرا في مدى تحقيقها للغرض المقصود منها. وينبغي تصميم ضرائب الصحة العامة لتحقيق أقصى قدر من الفعالية. فعلى سبيل المثال، بالنسبة لمعظم المنتجات غير الصحية، تؤدي الضرائب المحددة (المستندة إلى الحجم) إلى نواتج صحية أفضل من الضرائب على أساس القيمة لأنها تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض الاستهلاك. كما تؤدي إلى انخفاض التباين في الأسعار، مما يحسن الكفاءة الاقتصادية. ومن الأسهل أيضا تحصيل ضرائب محددة، مما يحسن الامتثال الضريبي.
ويمكن أيضا هيكلة ضرائب محددة بشكل مختلف. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تستند الضرائب المحددة على المشروبات إلى حجمها أو محتواها من الكحول/السكر. وتحديد أي مكون من مكونات المنتج يخضع للضريبة هو جزء من تحديد “قاعدة” الضريبة. ويمكن أن يكون لهذا القرار عواقب بعيدة المدى. وعندما يستخدم محتوى الكحول أو السكر كأساس لفرض الضرائب، يمكن أن تتغير أنماط الإنتاج والاستهلاك إلى الأفضل: فالمنتجون لديهم حوافز أكبر لإعادة تكوين منتجاتهم وزيادة تسويق المنتجات الأقل ضررا. أو يمكنها أن تنقل تكلفة زيادة الضرائب إلى المستهلكين، مما يخفض الاستهلاك في هذه العملية.
وفي كلتا الحالتين، ينخفض استهلاك الكحول أو السكر – وإن لم يكن بالضرورة استهلاك المشروبات بشكل عام. ومن ناحية أخرى، فإن الضرائب على الحجم ترفع أسعار جميع المنتجات ومن ثم تخفض الاستهلاك الكلي. ومن الشائع فرض ضرائب محددة على محتوى الكحول، لكن فرضها على المشروبات المحلاة بالسكر هو أمر حديث العهد. وهناك ابتكارات مثيرة آخذة في الظهور بما في ذلك استخدام الحدود الدنيا والمستويات في جنوب أفريقيا والمملكة المتحدة. وفي كلتا الحالتين، تُظهر الشواهد الناشئة أن استخدام محتوى السكر كأساس للضرائب يمكن أن يكون فعالا في تحفيز المنتجين على إعادة تكوين وخفض المحتوى من السكر . ولكن في وقت ترتفع فيه معدلات التضخم، يجب أن يحرص واضعو السياسات على ضمان ألا يؤدي التضخم إلى تآكل فعالية هذه الضرائب. ومن المنطقي مراجعة الضرائب المفروضة على المنتجات غير الصحية بصورة دورية لمراعاة تضخم أسعار المستهلكين.
إن استخدام ضرائب الإنتاج لتحسين النواتج الصحية ليس بالأمر الجديد فغالبا ما يتم استخدام هذا النهج للحد من استهلاك التبغ، على سبيل المثال. وقد أسهم البنك الدولي والشركاء الآخرون إسهاما كبيرا في هذا المجال على مدى العقد الماضي. وساهم فريق من البنك الدولي مؤخرا في كتاب جديد مهم صادر عن منظمة الصحة العالمية وكلية إمبريال كوليدج لندن بعنوان ضرائب الصحة العامة: السياسات والممارسات. ويشير الكتاب إلى أن ضرائب الصحة العامة سيكون لها دور متزايد الأهمية في الأنظمة الضريبية – لكن كيفية تصميمها وتنفيذها وإدارتها ومتابعتها ستحدث أثرا كبيرا في كيفية تحقيقها نواتج صحية وإيرادات. ويستفيد مسار العمل الذي أنشئ حديثا بشأن ضرائب الصحة العامة في إطار البرنامج العالمي للضرائب التابع لقطاع الممارسات العالمية للاقتصاد الكلي والتجارة والاستثمار، بالتعاون مع قطاعات الممارسات العالمية للصحة والفقر والحوكمة، من هذه الجهود لمساندة إصلاحات ضرائب الصحة العامة في مختلف أنحاء العالم.
* مارسيلو استيفاو، المدير العام لقطاع الممارسات العالمية للاقتصاد الكلي والتجارة والاستثمار في البنك الدولي