هل تتذكرون كيف كانت أجهزة الحاسوب مزاجية في السابق؟ كانت تتعطل دون سبب، وكان علينا نقر زر “حفظ” كل خمس دقائق خوفا من أن تمسح عملنا؟
شعرت بهذا الإحباط القديم أخيرا أثناء زيارتي لمدرسة ثانوية في لندن، حيث كنت أساعد في تدريس صف عن الأخبار المزيفة. تم تزويد جميع الأطفال بأجهزة حاسوب محمولة لحل اختبار قصير عبر الإنترنت. لكن معظم الأجهزة لم تتمكن من الاتصال بشبكة الإنترنت. بعد نصف ساعة، استعار أحد المدرسين مجموعة من أجهزة الحاسوب المحمولة من قسم الرياضيات التي تبدو أحدث، لكنها لم تتصل بالشبكة أيضا. راقبت باستياء عندما بدأ الأطفال، الذين كانوا مشرقين وفضوليين في البداية، بالشعور بالملل وعدم الاهتمام. هز أحد أعضاء فريق العمل كتفيه قائلا: “الأمر دائما على هذا النحو”.
على مدى عقود، كان يتم إخبار الآباء والمعلمين أنهم بحاجة للاستثمار في أجهزة الحاسوب لإعداد الأطفال للعالم الحديث. في المملكة المتحدة، بدأت زيادة كبيرة في الإنفاق على التكنولوجيا في ظل حكومة توني بلير، وبحلول 2019، كان هناك 3.3 مليون جهاز حاسوب في المدارس الابتدائية والثانوية. خلال الجائحة، وعدت الحكومة بتقديم 1.8 مليون جهاز حاسوب محمول آخر للأطفال المعوزين حتى يتمكنوا من الدراسة من المنزل.
لكن البحوث متضاربة حول ما إذا كانت أجهزة الحاسوب تحسن التعليم. وزع برنامج “حاسوب محمول لكل طفل”، الذي تم إطلاقه في 2005، أجهزة حاسوب محمولة منخفضة التكلفة مليئة بالبرامج التعليمية والكتب على ملايين الأطفال في البلدان النامية. لكن في 2012، لم تجد أول دراسة واسعة النطاق لتأثيرات البرنامج أي دليل على تحسن الرياضيات أو المهارات اللغوية لدى المستفيدين، على الرغم من أنه يبدو أنهم حققوا درجات أعلى في الاختبارات المعرفية. استخدم الأطفال أجهزة الحاسوب بشكل أساسي للكتابة والألعاب والموسيقى.
هناك دراسات تظهر آثارا إيجابية، بما في ذلك تدريس الطلاب بسرعات مختلفة حسب قدراتهم. لكن بينما يبدو أن تفاخر بلير بالتكنولوجيا أدى إلى تحسين النتائج في اللغة الإنجليزية والعلوم، فإن تأثيرها في درجات اختبار الرياضيات كان “قريبا جدا من الصفر”.
بالطبع هناك كثير من الأبحاث، التي تثبت ما يعرفه كل أب وأم: تميل منصة يوتيوب والألعاب لأن تكون أكثر متعة من الواجبات المنزلية. “تشير الأدلة إلى أن الأطفال لا يتعلمون بشكل أكبر عبر التفاعل مع أجهزة الحاسوب المحمولة مما يتعلمونه من الكتب المدرسية”، حسبما لاحظت مؤسسة بروكينجز في 2020.
ربما نتعامل مع التكنولوجيا بالطريقة الخاطئة. في المدارس، يتعلم الأطفال موضوعا جديدا أو مهارة جديدة في الفصل ثم ببساطة يعززون المعرفة عبر التدرب على الحاسوب، مثلا.
يجادل الباحث البريطاني، كونراد ولفرام، أنه من الخطأ أن يركز الأساتذة جهودهم على التأكد من أن الأطفال قادرون على حل العمليات الحسابية يدويا، وإظهار عملهم على الورق. يقول إن هذا ما ينبغي أن نستخدم الحواسيب من أجله.
في العالم الحقيقي، كما يشير، لا تبدو الرياضيات على الإطلاق بالشكل الذي تبدو عليه في الكتب المدرسية. إن التركيز على عملية حسابية طويلة ليس مملا فحسب، بل غير مهم في بيئة نحتاج فيها للرياضيات لفهم كل شيء من أسواق الأسهم وتغير المناخ إلى طريقة انتشار الأخبار المزيفة.
ينبغي أن نعلم الأطفال كيفية طرح الأسئلة الصحيحة وكيفية ترجمتها إلى مصطلحات رياضية يمكن أن يفهمها الحاسوب. بعد انتهاء الحاسوب من العملية الحسابية، يحتاج الطلاب عندها إلى معرفة كيفية التحقق من النتائج وتفسيرها. هذا ما يهتم به الأطفال على أي حال. في صف الأخبار المزيفة، كان لدى معظم الطلاب فهم أكثر تطورا لكيفية تفسير الإنترنت من فهمي، وميزوا المعلومات المضللة والكاذبة والخاطئة بسهولة “التي يتم إنشاؤها عمدا لإحداث ضرر”.
قد لا يكون التعليم المجال الوحيد الذي نحتاج فيه إلى إعادة التفكير في كيفية استخدامنا لأجهزة الحاسوب. قد يستفيد كثير من الشركات من إلقاء نظرة جادة على ما إذا كانت أجهزة الحاسوب تعمل على تحسين عملنا بالفعل. لقد مضت تقريبا أربعة عقود منذ أن قال الخبير الاقتصادي روبرت سولو، ساخرا: “يمكنك رؤية عصر الحاسوب في كل مكان، باستثناء إحصاءات الإنتاجية”.
في هذا العصر الذهبي للتكنولوجيا، يدخل موظفو المكاتب النظام بشكل أساسي لتصفح الإنترنت، أو إنشاء المستندات، أو إرسال البريد الإلكتروني، أو جدولة الاجتماعات التي لا نهاية لها. ثم يتعين عليهم الرد على رسائل البريد الإلكتروني وحضور الاجتماعات وقراءة المستندات التي أرسلوها لبعضه.
هل توجد طريقة أفضل؟ ألا يمكننا أتمتة المزيد من عملنا حتى نتمكن من التركيز على المجالات التي يضيف فيها البشر قيمة؟ يبدو لي أنه إذا واصلنا استخدام أجهزتنا الحاسوبية في المهام العادية، دون أخذ الوقت الكافي للتساؤل بجدية عن مدى ملاءمتها لحياتنا، فقد يأتي وقت تنقلب فيه الأدوار وأكون أنا المزاجي والمحبط والغاضب وليس حاسوبي المحمول القديم.